عن ابن عباس رضي الله عنه قال : بعث الله جرجيس عليه السلام إلى ملك بالشام يقال له : داذانة يعبد صنما ، فقال له : أيها الملك اقبل نصيحتي ، لاينبغي للخلق أن يعبدوا غير الله تعالى ، ولا يرغبوا إلا إليه ، فقال له الملك : من أي أرض أنت ؟ قال : من الروم قاطنين بفلسطين ، فأمر بحبسه ، ثم مشط جسده بأمشاط من حديد حتى تساقط لحمه ونضح جسده بالخل ، ودلكه بالمسوح الخشنة ، ثم أمر بمكاوي من حديد تحمى فيكوى بها جسده ، ولما لم يقتل أمر بأوتاد من حديد فضربوها في فخذيه وركبتيه وتحت قدميه ، فلما رأى أن ذلك لم يقتله أمر بأوتاد طوال من حديد فوقذت في رأسه فسال منها دماغه ، وأمر بالرصاص فأذيب و صب على أثر ذلك ، ثم أمر بسارية من حجارة كانت في السجن لم ينقلها إلا ثمانية عشر رجلا فوضعت على بطنه ، فلما أظلم الليل وتفرق عنه الناس رآه أهل السجن وقد جاءه ملك فقال له : يا جرجيس إن الله تعالى جلت عظمته يقول : اصبر وابشر ولاتخف ، إن الله معك يخلصك ، وإنهم يقتلونك أربع مرات في كل ذلك أرفع عنك الالم والاذى .
فلما أصبح الملك دعاه فجلده بالسياط على الظهر والبطن ، ثم رده إلى السجن ، ثم كتب إلى أهل مملكته أن يبعثوا إليه بكل ساحر ، فبعثوا بساحر استعمل كل ماقدر عليه من السحر فلم يعمل فيه ، ثم عمل إلى سم فسقاه فقال جرجيس : " بسم الله الذي يضل عند صدقه كذب الفجرة وسحر السحرة " فلم يضره ، فقال الساحر : لو أني سقيت بهذا أهل الارض لنزعت قواهم ، وشوهت خلقهم ، وعميت أبصارهم ، فأنت يا جرجيس النور المضئ ، والسراج المنير ، والحق اليقين ، أشهد أن إلهك حق ، ومادونه باطل ، آمنت به وصدقت رسله ، وإليه أتوب بما فعلت ، فقتله الملك .
ثم أعاد جرجيس عليه السلام إلى السجن وعذبه بألوان العذاب ، ثم قطعه أقطاعا ، وألقاها في جب ، ثم خلا الملك الملعون و أصحابه على طعام له وشراب فأمر الله تعالى جل وعلا أعصارا أنشأت سحابة سوداء وجاءت بالصواعق ورجفت الارض وتزلزلت الجبال حتى أشفقوا أن يكون هلاكهم ، وأمر الله ميكائيل فقام على رأس الجب وقال : قم يا جرجيس بقوة الله الذي خلقك فسواك ، فقام جرجيس حيا سويا وأخرجه من الجب ، وقال : اصبر وابشر ، فانطلق جرجيس حتى قام بين يدي الملك وقال : بعثني الله ليحتج بي عليكم ، فقام صاحب الشرطة وقال : آمنت بإلهك الذي بعثك بعد موتك ، وشهدت أنه الحق ، وجميع الآلهة دونه باطل ، واتبعه أربعة آلاف آمنوا وصدقوا جرجيس عليه السلام فقتلهم الملك جميعا بالسيف ، ثم أمر بلوح من نحاس أوقد عليه النار حتى احمر فبسط عليه جرجيس ، وأمر بالرصاص فأذيب وصب في فيه ، ثم ضرب الاوتاد في عينيه ورأسه ، ثم ينزع ويفرغ بالرصاص مكانه ، فلما رأى أن ذلك لم يقتله فأوقد عليه النار حتى مات وأمر برماده فذر في الرياح ، فأمر الله تعالى رياح الارضين في الليلة فجمعت رماده في مكان ، فأمر ميكائيل فنادى جرجيس فقام حيا سويا بإذن الله ، فانطلق جرجيس إلى الملك وهو في أصحابه ، فقام رجل وقال : إن تحتنا أربعة عشر منبرا ومائدة بين أيدينا وهي من عيدان شتى ، منها مايثمر ومنها ما لايثمر ، فسل ربك أن يلبس كل شجرة منها لحاها ، وينبت فيها ورقها وثمرها ، فإن فعل ذلك فإني أصدقك ، فوضع جرجيس ركبتيه على الارض ودعا ربه تعالى عظم شأنه فما برح مكانه حتى أثمر كل عود فيها ثمرة ، فأمر به الملك فمد بين الخشبتين ووضع المنشار على رأسه فنشر حتى سقط المنشار من تحت رجليه ثم أمر بقدر عظيمة فألقي فيها زفت وكبريت ورصاص وألقي فيها جسد جرجيس فطبخ حتى اختلط ذلك كله جميعا ، فأظلمت الارض لذلك ، و بعث الله إسرافيل فصاح صيحة خر منها الناس لوجوههم ، ثم قلب إسرافيل القدر فقال : قم يا جرجيس بإذن الله ، فقام حيا سويا بقدرة الله ، وانطلق جرجيس إلى الملك ، ولما رأى الناس عجبوا منه فجاءته امرأة وقالت : أيها العبد الصالح كان لنا ثور نعيش به فمات ، فقال لها جرجيس : خذي عصاي هذه فضعيها على ثورك وقولي : إن جرجيس يقول : قم بإذن الله ، ففعلت فقام حيا فآمنت بالله .
فقال الملك : إن تركت هذا الساحر أهلك قومي فاجتمعوا كلهم أن يقتلوه ، فأمر به أن يخرج ويقتل بالسيف ، فقال جرجيس عليه السلام لما أخرج : لا تعجلوا علي ، فقال : اللهم إن أهلكت أنت عبدة الاوثان أسألك أن تجعل اسمي وذكري صبرا لمن يتقرب إليك عند كل هول وبلاء ، ثم ضربوا عنقه فمات ، ثم أسرعوا إلى القرية فهلكوا كلهم .